28

وقف «جارديني » مذهولًا أمام الإطار الخالي لا يُصدق ما يراه .

هل سرقه «ماركو » ؟ !

كيف؟ !

ولماذا؟ !

خليط عجيب من الصدمة وعدم الفهم، مع عدم التصديق والإنكار . عاد وتذكَّر «ماركو » منذ دقائق وهو يطلب منه أن يتمالك أعصابه . هل هذه دُعابة؟ نظر حوله جيدًا حتى وقع نظره على ورقة مُثبَّتة على الحائط تحت الإطار الفارغ . انحنى ليلتقط الورقة وكان فيها رسالة قصيرة :

«هذه هي الورقة الأخيرة . أنا مُتأكد أنكَ عند وعدكَ لي، مُتمالك لأعصابك . وأنك تتساءل فقط أين «ماتا موا ». كل عام وأنت بخير سنيور «جارديني ». سأكون في انتظارك قبل عشر دقائق من الواحدة عصرًا في المكان المُحبب لقلبك :

في مقهى فلوريان »!

***

- أعتقد أنكَ تبحث عني !

- لا، ليس بعد الآن، لقد وجدتُ ما أبحث عنه، ولن أتركه أبدًا .

التفت آدم ل «داريا » ، نظر لها بحُب شديد حتى عاد البريقُ لعينَيْه من جديد . أخذ ينظر لها بشوق . لاحظ أن خاتمه الذهبي الأبيض ذا الحجر الكريم يُزين إصبعها . ابتسم ثم احتضنها بقوة . كانت تلك اللحظة التي طالما حلما بها معًا منذ أن رآها في دبي . لأول مرة في حياة آدم منذ رحيل والدته يشعر بعودة روحه إليه مرة أخرى . لقد انتظر تلك اللحظة لشهور طويلة .

- أخيرًا يا آدم .. لِمَ لم تخبرني أنكَ ستأتي بهذه السرعة؟ لَمْ تُخْفِ عني شيئًا من قبل !

- أردتُ أن أُفاجئكِ، أرجو أن تكون المفاجأة سارة .

- أحسن مُفاجأة في حياتي يا حبيبي .

احتضنها آدم مرة أخرى بحُب قبل أن تلفت نظرَه أنها في مكان عملها . سألته عن آخر أخبار اللوحة المفقودة .

- لا جديد، أُحيل مُعظم الموظفين للمُحاكمة بتهمة الإهمال، ولا يوجد أي دليل على السارق إطلاقًا .

- «جارديني » ثعلب عجوز، كنت أعلم منذ البداية أنه أفضل مَن يقوم بهذه المهمة؛ ولهذا فعندما فاجأتَني بفكرتكَ المجنونة لسرقة اللوحة لعدم وجود حراسة كافية بالمتحف، فقد أدركتُ منذ اللحظة الأولى أن «جارديني » يستطيع أن يُنجز المهمة في أسبوع .

- بل أنتِ الثعلب الكبير يا حبيبتي، كيف أقنعتِه دون أن يعرف أنكِ أنتِ وراء كل ذلك؟

- الموضوع بسيط يا حبيبي . «ماركو » مساعد «جارديني » هو صديق عزيز وقديم لي . هو الذي أخبرني منذ فترة أن «جارديني » يريد لوحة «ماتا موا » فكانت هي الطُّعْم . كانت مُهمتي أن أجد مَن يريد أن يشتري «زهور الخشخاش » مقابل «ماتا موا » وعشرة ملايين دولار هي نصيبنا يا حبيبي .

- عشرة ملايين دولار .. بصراحة أنا لم أُفكر في المال مطلقًا .. فقط كنت أريد أن أتركَ كل شيء ورائي وأكون معكِ أنتِ .. المهم .. وبعد أن وجدتِ المُشتري؟

- لقد عرفتُ من «ماركو » زيارة «جارديني » لمعرض فني كبير بروما منذ شهرين . كانت فرصة كبيرة لكَ لتأتي لإيطاليا ونتقابل من جديد بعد أن كنت مكتئبًا وحيدًا في أسوان . كانت أيضًا فرصة لتقابل أنتَ «جارديني » وحدكَ وتتعرف عليه ليبدو الموضوع وكأنه مُصادفة بحتة . وبالطبع عندما قابلتَه أتقنتَ دوركَ وأخبرتَه بحاجتكَ للمال واستعدادكَ للعمل معه . ابتلع «جارديني » الطُّعم . عندما أخبرتَني يا حبيبي بأن رمضان هو أنسب شهر لسرقة اللوحة، قابلتُ «ماركو » كصديق وأخبرتُه أنني سأسافر قريبًا للقاهرة في رحلة عمل . وقتها لم تكن المعلومة تعني أي شيء له . بعدها بأسبوعين أرسلتُ ل «جارديني » مندوبًا يطلب منه القيام بالعملية، وبالطبع فقد تذكركَ «جارديني » بسهولة وسألكَ عن المتحف . وتذكَّر «ماركو » أنني سأسافر للقاهرة، وأنتَ تعرف الباقي .

- لا أُصدق أن فنانة رقيقة في مثل جمالكِ تكون بهذا الدهاء !

- كل امرأة في العالم تُصبح بهذا الدهاء وأكثر بكثير عندما تُحب يا آدم .. أنا أيضًا فعلتُ ذلك من أجل المُغامرة ولنكونَ معًا، وليس من أجل المال، وإن كان المال مهمًّا أيضًا .

- ولِمَ أتيتِ للقاهرة معهما؟

- لأراك، أتذكر حين كنت في الفندق و اتصلت بك يا حبيبي لتأتي، فجئت سريعًا وسط دهشة د . سلوي التي ظنت أنك لن تأتي .

- كنت أتلهف وقتها لرؤيتك بعدما التقينا عدة مرات بعد دبي، ألم تشعُري بالخوف من فشل العملية؟

- حتى وإن حدث فلا يوجد أي دليل ضدي أو ضدك . أنا بالفعل جئت لمقابلة سلوى وتعيينك ب «البينالي ». وعندي عشرات الشهود . بل إن مدير البينالي نفسه كلفني بالمهمة . «جارديني » نفسه لا يعرف أنني علي أية علاقة بالموضوع برمته . هو ما زال يظن أنه استغلني لتغطية رحلته للقاهرة .

- ولن يعرف أبدًا . وماذا عن «ماتا موا » ؟

- لقد تسلَّمها «جارديني ».

- و «زهور الخشخاش » ؟

- هل ستُصدقني؟

- بالطبع .

- أنا شخصيًّا لا أعرف أين استقرَّت، لقد كنتُ أتعامل طوال الوقت مع وكيل فني لمجموعة من أشهر الجامعين في العالم . وهو رفض منذ البداية الإفصاح عن اسم مشتري اللوحة . قد يكون مَلِكًا أو وزيرًا أو أميرًا . من الأفضل ألا نعلم !

- هل سنعثر يومًا ما على كل تلك القِطَع المسروقة حول العالم؟

- هناك قوانين في بعض الدول تقضي بأنه مَن يُثبِت مِلكيته لإحدى القِطَع الفنية لمدة ثلاثين عامًا تُصبِح مِلكه قانونًا، حتى ولو كانت مسروقة قبل ذلك التاريخ . أعتقد أنه بعد عشرات السنوات وبعد وفاة جيل كامل من جامعي القِطَع الأصلية ستظهر للعالم كنوز عظيمة كانت مخفية أو مسروقة .. ولكن ذلك سيكون بعد أن نموت . الآن لنبدأ حياتنا معًا . هناك الآلاف من القِطَع الجميلة التي سنراها أو سنصنعها معًا .

- أنا معكِ من الآن وحتى خروج آخر أنفاسي .

- قبل أن أصطحبكَ لأي فندق، لقد دعاني «ماركو » للاحتفال بعيد ميلاد العجوز «جارديني » ، وستكون مُفاجأة جميلة أن تأتيَ معي .

- بأية صفة؟

ابتسمَت «داريا » وهي تخلعُ الخاتم من إصبعها . فتحت أحد أدراج مكتبها الفخم وأخرجت العلبة حيث أعادت الخاتم وهي ترد على آدم : - أمام «جارديني » ستكون أنتَ زميلي الجديد في العمل الآن . سيتغير ذلك لاحقًا بالطبع، ولكن لفترة لا بد أن نبدو كزميلين فقط أمام «جارديني ». وعمومًا .. هو لن يَفتح معكَ موضوع اللوحة مرة أخرى .

- وأين هو ذلك الاحتفال؟

- على بُعد ربع ساعة من هنا، في أشهر بقعة بالبندقية، في ميدان «سان ماركو » ، في «مقهى فلوريان ».