دعاء أمي

بين حلم العودة وأحذية العسكر

من رحم الدنيا الواسعة.. تضيق الأمكنة بي.. يختنق المكان والزمان.. وتزدحم الذاكرة بالأحداث.. تلفظني كل سنين الغربة.. أجد نفسي على حدود الوطن.. على حدود الحلم خائفًا.. مفزوعًا.. مذعورًا.. تتلقفني الأيادي القاسية.. والأسئلة الكريهة.. والنظرات الاشد كرها.. يتأرجح الحلم الجميل برؤية الوطن ويبدو محالًا في ظل إجراءات كان الغرض منها ترهيبي وتخويفي، وكسر كل رغبة في التحليق خلف تلك الأسوار الشائكة التي تفصلني عن جسد الأجداد الملقى في جبانات الوطن، يعاني من الوحشة وغياب الزائرين في مواسم البكاء.

بعد دقائق سينقلني أتوبيس سياحي في رحلة برية، من وسط القاهرة النائمة متجهًا إلى رفح في فجر يوم ممطر مصحوبًا بموجات من الهواء البارد، وقبل لحظات قليلة من وداع أمي التي قَبلت يدي وحطمت آخر جدار واق أخفيت وراءه عجزي وقلة حيلتي وشعورًا بالخوف استبد بي وتملكني، حتى كدت أتراجع عن السفر، لولا الخجل من نظرات إخوتي الذين لمحت في عيونهم قليلًا من الشفقة وكثيرًا من الافتخار، انطلقت مع هواجسي وأحلامي لرؤية هذا المجهول.

استقللت سيارة أجرة، ألقيت حقيبتي بالمقعد الخلفي واتكأت عليها، شق السائق الطريق مسرعا، ليحرمني دون أن يدري من نظرة أودع فيها الشوارع والبيوت وأملي عيني من عبق الألفة والرحمة التي تسكن مدينتي الصغيرة، أو ربما كان يدرك ما كان يجول بخاطري، وتحسس خوفي الذي حرضني على الرجوع، حتى كدت أقفز من السيارة عائدًا إلى البيت مبررًا ذلك بأنني لم ألحق الأتوبيس، لكنني امتثلت مجبرًا خاضعًا وأرجأت الهروب حتى أصل إلى محطة الأتوبيس، وهناك أحسست بقوة خفية تدفعني للصعود لأتخذ مكاني وسط جمع من المسافرين أغلبهم كانوا من يهود العراق وقد تخطت أعمارهم جميعًا الستين عامًا.

لازال هاجس التراجع يدق في رأسي، وراح الخوف الذي لازمني طوال حياتي يفرض سطوته، لكني شعرت بأن العودة إلى منزلي باتت أمرا مستعصيا، ولم تعد مطروحة خصوصا عندما بدأ الأتوبيس في التحرك، حاولت أن أقرأ تلك الوجوه الغريبة التي ازدحم بها الأتوبيس علها تؤنسني في هذه الغربة الاضطرارية، لكنها زادت من اغترابي وشرودي، وبدأ رنين الكلمات العبرية ينتشر هنا وهناك ويستبيح أذني دون استئذان، وضحكات عالية وألفاظ سوقية تترامي ما بين الحين والحين، أصابتني بالدهشة والاستغراب، حتى راحت تلتف حول عنقي في محاولة للفتك بي.

عرجت بنا السيارة إلى فندق شهر زاد المطل على النيل لتصطحب ما تبقى من ركاب، استمر الأمر بضع دقائق تخللها توتر ومشاكسات حولت الأتوبيس إلى ساحة صراخ بسبب تأخر بعض الركاب، مما أثار غضب وتذمر السائق والمشرف، قابله ثورة عارمة من بقية المسافرين اليهود الذين دافعوا عن زميلهم المتأخر، ووصل الأمر إلى أن هددوا بالنزول من الأتوبيس إذا لم يتم استبدال السائق، وبعد مداولات ومناقشات من جانب ضابط الأمن الذي كان يرافق الأتوبيس في سيارة شرطة هدأ المسافرون واستسلموا للأمر الواقع بعد أن أخبرهم بأن تغيير السائق سيستلزم وقتا وربما تلغى الرحلة أو تؤجل ليوم آخر، لكن ذلك لم يمنعهم من إطلاق بعض الألفاظ النابية بالعربية والعبرية على السائق، الذي لم يصمت وراح يراشقهم بالألفاظ والشتائم دون أن يخشى شيئًا وبتشجيع من المشرف، وبعد فترة من الوقت بينما السيارة تقطع طريقها وتتخطى القاهرة التي مازالت تغط في نومها، بدأ الركاب يستسلمون للسكينة، وانكب السائق على عجلة القيادة يتجاذب الحديث الهامس مع المشرف ويتناولان الشاي والسندوتشات.

جاءت جلستي بجوار صحفي إندونيسي يتكلم العربية بصعوبة، أرسلته الجريدة التي يعمل بها ليغطي أول انتخابات تشريعية ورئاسية باعتبارها حدثًا عالميًّا يشهده العالم وينتظرنتائجه، أحس «الإندونيسي» الرقيق بحالتي، وربما حاول أن يخرجني من حالة الصمت، فسألني عن هويتي واسمي وسبب زيارتي، وبدأت في الحكي المر عَلَّني أخرج من شرنقتي، لأفاجأ بأنني أفتح جرحًا غائرًا لم تندمل جروحه.

«أنا من مواليد القاهرة، نزح أبي إلى مصر عندما هاجمت العصابات الصهيونية حي المنشية مسقط رأسه (إحدى أحياء مدينة يافا المطلة على البحر) وكان ذلك صبيحة 24 إبريل 1948، ثم أعقبته بإلقاء قنابل الهاون والصواريخ لمدة أربعة أيام متتالية، لم ينقطع فيها دوي الانفجارات، ليتمكنوا من الاستيلاء على «المنشية وتل الريش» ثم يعقبه سقوط أحياء «سلمة والعباسية وبيت دجن»، ويكتمل المشهد الكارثي بفرار اللجنة القومية عن المدينة في سيارات بريطانية مصفحة، مما انعكس على سكان تلك المدن الذين اصابهم الرعب والذهول عندما شاهدوا سقوط القوات العربية قبل سقوط المباني، لتعم الفوضي والاضطراب الارجاء ويستولي القبح على ما تبقي من عزيمة ومثابرة، فيترك الآلاف من الاهالي بيوتهم باحثين عن طريقة للفرار من الجحيم الذي راح يعربد ويدمر كل شيء على الأرض، ويلجأون للهروب على القوارب متجهين إلى غزة ولبنان ومصر، يحمل أبي أمه وأخوته (مصطفي، ياسين، طه، أحمد، ثريا، سعاد) على قارب ليصل إلى مصر محطة الأمان والاستقرار، ويكتشفوا بعد أن غاص القارب في عمق البحر بأن هناك أخًا آخر (محمد) لم تمهلهم الغفلة من اصطحابه ليبقي وسط الخراب وتنقطع أخباره، تتفرق السبل بالإخوة في القاهرة بعد سنوات قليلة، ويلجأ البعض إلى السعودية، والبعض الآخر إلى اليمن، ويبقي والدي في القاهرة ليتزوج من أمي، وينجب 7 أولاد (سليمان، زاهي، صلاح، سعاد، أشرف، فيفي، رضا) في محاولة للتدثر من غضبة الأيام ورحيل الأشقاء والوحدة، ثم يلحق بالأشقاء وافد جديد (حمدى) في ظروف استثنائية، وتنقطع صلتنا بالوطن إلا من أخبار شحيحة تختبئ في الذاكرة من حكي قديم تآكلت تفاصيله عبر السنوات والأيام».

أما عن سبب زيارتي فقد تلقى المركز الذي أعمل به دعوة من الرقابة المحلية الفلسطينية وبعض منظمات المجتمع المدني لمراقبة أول انتخابات تشريعية تجرى في فلسطين، ورأى زملائي أنها فرصة جيدة، قد لا تسنح مرة أخرى للذهاب لرؤية وطني حتى ولو للمرة الأولى والأخيرة، فقمت بالاستعداد للسفر رغم تحذيرات أمنية نصحتني بعدم الذهاب، وكانت حجتهم في ذلك، أنني أحمل وثيقة سفر فلسطينية وغير مدرج في أي كشوف رسمية داخل فلسطين، وفي حالة حدوث أي حادث عارض، سأكون بلا دية وبلا ثمن، فرغم أنني اعيش في القاهرة لكني لست محسوبا عليهم، ولست أيضًا محسوبًا على الدولة الفلسطينية، وفي حالة فقدان وثيقة سفري، سأكون نصف كائن في مهب الريح، لا مأوى له سوى السجون الإسرائيلية، ومحققيها الغلاظ ليمارسوا لعبة التعذيب والتنكيل والاتهامات الجاهزة بأنني إرهابي غير مدون بقوائم الممنوعين أو المطلوبين أو حتى الخارجين على القانون، شخص هلامي استثنائي وغامض لا يملك من الدنيا سوى دعاء أمه المسكينة وكثير من الخوف والفزع ونوبات الصرع التي تصاحب الاقليات اينما ذهبوا، وبعيدًا عن التشبيهات المبالغ فيها والعبارات المفتعلة، فإن الواقع يرصد حالة من حالات الجنون قمت بارادتي الحرة بطرحها على واقع عفن ومرتبك، ويبدو أنني قررت أن أموت في زمن لا يحترم سوى الأوراق، دخلت قبرًا مظلمًا، احمل أمنيات مثالية وأحلامًا وهمية ومشاريع ناقصة البنيان، قررت أن أموت لأن الشمس الساطعة ذهبت في سكون المغارب بغير عودة، والنجم الضال في السماء الداكنة خفت ضياؤه في ليال مسكونة بالكوابيس، قررت أن أموت في رحلة العمر المستحيلة والجميلة وربما الأخيرة بحثًا عن وطن مفقود تحت أقدام العسكر، وأنا لا أحمل سوى دعاء أمي التي تنتظر شال الشتاء من رام الله القابعة تحت سطوة المعتدي.

وضع مربك وشائك، ومخيف عندما نكتشف أن المواطن الفلسطيني المولود بالأرض المحتلة والذي يملك بيتًا وعملًا وهوية ليس له أي حقوق، فما بالكم بشخص يحمل كل هذه التناقضات، لملم الفجر خيوطه الرمادية، وفردت الشمس أشعتها ونورها على المكان، وأنا مازلت أستطرد في الحكايات التي دفَّأت قلبي المتجمد، وساعدني على الاستمرار نظرات «الإندونيسي» الحانية التي كانت تشجعني على سرد المزيد، تخطينا رفح المصرية وختمنا الأوراق، وعاد الأتوبيس الذي حملنا إلى القاهرة بطاقمه المصاحب لنا، لنستقل أتوبيسًا سياحيًّا آخر ليرافقنا للداخل.

مضيت نحو مصيري المظلم، وترامي صوت أذان الظهر الذي بدأ يتلاشى حتى وصلنا إلى معبر رفح الفلسطيني الذي كان يديره في ذاك الوقت هيئة المطارات الإسرائيلية ومراقبون أوروبيون لم أر واحدًا منهم، حمل المكان كثير من الوجوه العربية واليهودية الطيبة والشريرة على حد سواء، اقتربت من البوابات الالكترونية التي منعتني صفارتها من المرور، وفي كل مرة كنت أخلع شيئا مما ارتدي حتى كدت اتجرد من ملابسي، لولا أن فطن الحارس بأن البوابة معطلة لذلك يخرج صراخها عند مرور أي شيء، فأرتديت ملابسي ومررت دون ان تطلق صفارة الموت، دخلت إلى قاعة كبيرة تترامي المقاعد على يمينها وشمالها، وتتخللها بعض الابواب التي تربط بمكاتبها وأروقتها الداخلية، بينما يقع في نهايتها حوائط زجاجية بها ممر صغير يدخل منه العائدون الذين خرجوا جميعا ولم يبق غيري.

أشار لي بعض الأشخاص بالوقوف في أحد الأركان، استندت على جدار وُضِعت عليه صور لبعض المدن الإسرائيلية توسطتها لوحة لميناء ايلات، وعلي الفور تذكرت ما حدث به من تفجيرات على يد البحرية المصرية في أعقاب النكسة، ولكني سريعا ما نحيت هذا الهاجس عني، حتى لا ترصدني الكاميرات وتكتشف ما يجول بذهني، أحسست بذلك وارتميت على المقعد الذي يتذيل الصورة حتى أجنب نفسي النظر إليها، وحاولت أن أتجلي بعيدًا إلى أقصى الشمال أو أدنى الجنوب، فما احوجني للتوهان حتى وصلت إلى باحة سيدنا الحسين، ميدان فسيح واسع وكبير، ملئ بالباعة والدراويش، وكثير من طالبي الحاجة، الضوضاء تعم المكان، اقتربت من الباب العالي ودخلت، نور على نور، اقترب مني شيخ كبير، وسألني: لمن جئت يا ولدي؟ وقبل أن أجيب، قال: هل جئت للحسين؟ اجبت وشفتاي مرتعشة وعرقي يتصبب من فوق جبيني، بل جئت لاقابل الخليل، لم اقصد الحسين، فقد دعاني الخليل أن نلتقي هنا في ساحة المسجد لنصلي العصر معا، فتعجب الشيخ مما يسمع، وقال الخليل ليس هنا، وأضاف هنا يوجد مقام الحسين بن على بن فاطمة الزهراء، أخي الحسن وزينب، وحفيد المصطفى عليه أفضل صلاة واتم التسليم، وأشار بيديه: الخليل هناك، قلت لم أقصد خليل الله، أنا ابحث عن خليل دربي، لم يفهم الرجل كلامي، وطلب مني الاعادة، اعدت الكلام مرة ومرتين وثلاث حتى تلاشي وتلاشيت وخرجت من تجلياتي على صوت خشن يطلب مني وثيقة سفري، فناولته إياها متوسمًا خيرًا بنظرات خادعة تملؤها الوداعة والاستكانة، وبعد تفحص مغلول لمحتواها القاها على الأرض لألتقطها وأضم عليها يدي.

ثم تعاقب آخر ليسألني عن وجهتي ولماذا أتيت؟ وبعد أن أجيب يمضي، ليأتي آخر بعد وقت قليل ويلقي على ذات الأسئلة وأجيب وأجيب، ثم تذكرت أنني أحمل رسالة توصية من الملحق الثقافي بالسفارة الإسرائيلية يدعى ديفيد كوفري لتسهيل مهمتي في العبور، فانطلقت لأقدمها لضابطة إسرائيلية كانت تقف خلف حاجز زجاجي تراقب أنفاسي وهي تخرج من صدري، لكنها لم تعرني الانتباه وتعاملت معي بغطرسة واحتقار شديدين ثم أمرتني بلهجة حازمة بالجلوس في مكاني بعد أن اخذت الرسالة ووضعتها جانبا، ولاحظت احمرار عينيها المتورمتين من البكاء وبقايا دموع على وجنتيها، رجعت مرة أخرى لأجلس على مقعدي خلف صورة ميناء إيلات. وسرحت في دموع تلك البائسة الشرسة التي كانت تفترسني بين حين وآخر.

استبد بي القلق من مصيري المظلم الذي انتظره واشتقت لاشعال سيجارة لكن خوفي منعني من القيام بهذا العمل الجنوني والذي قد يدلل على شجاعتي وجرأتي، وأنا حريص أن اظهر ضعفي واستكانتي حتى استميل عطف الجميع، طال الانتظار.. تأتأة سأسأة.. تردد.. خوف.. تتلعثم الحروف داخلي.. تهرب مني كل ابجديات اللغة.. ومفردات التعبير.. أجد نفسي هشًّا.. وكأني ورقه القي بها في مهب الريح..

اموت في جلدي.. ويموت جلدي فيَّ.. أتفحص المكان بعيون زائغة.. تبحث عن منفذ عن منقذ.. عن اعين رحيمة.. ترأف بي أو تشفق علي.. اتسول الشفقة من عدوي.. ومن جلادي.. ومن سجاني.. ومن سارق ارضي.. اتسول نظرات الشفقة من وجوه تتفحصني.. وتتهمني دون كلام.. اكاد اسقط ارضا من شدة فزعي..

حان موعد انطلاق الأتوبيس الذي اقلني إلى داخل إسرائيل، ولكنني لم انتهي بعد من انهاء اجراءات الدخول، تقدمت مني «سيجال» وهي فتاة إسرائيلية تعمل بشركة السياحة التي ستقلنا على أحد أتوبيساتها للداخل، وقالت بلهجة قاسية: لابد أن تحدد موقفك في خلال عشر دقائق، أو أن تنهي إجراءاتك أو سنضطر آسفين للذهاب دونك.

توقفت كثيرًا عند كلماتها: «أحدد موقفي» وتساءلت في سخرية همسًا: هل لشخص مثلي لا يجرؤ على إشعال سيجارة أن يحدد شيئًا؟

يتبدد الحلم الجميل بلقاء الوطن الجميل.. ويتبدد الشجن الدافئ بحضن الارض الطيبة.. وامنيات الصغار بأن احمل لهم احجارا وهدايا.. وان اتفحص اوطانهم كي احكي لهم عندما اعود.. أسأل نفسي تري هل لي عودة ؟ اتذكر أمي اردد داخل نفسي بصوت لا يسمعه أحد «يا بركة دعائك يا أمي».. تبدو الدنيا ضيقة خانقة.. حتى كدت اتخيل انها اضيق من ثقب الابرة..

أي موقف الذي أحدده وأنا قابع على كرسي الموت مسلوب الارادة والهوية والإنسانية، لا استطيع أن أتنفس بحرية، وحقيبتي تجري لها عمليات تعذيب وتفتيش، حتى أن بعض الاطعمة التي اعدتها زوجتي لي تم تحليلها للوقوف على ما اذا كانت تحمل مواد محظورة دوليا.

أغلب الظن أن «سيجال» تسخر مني، فهي تدرك جيدا حقيقة أزمتي، وأنني ليس لي دخل بما يحدث، وربما تحدثت مع ابناء قومها واخبروها بكل شيء، فلِمَ ترمي «سيجال» كرة اللهيب في صدري المشتعل؟

الوقت يمر ببطء، رغم أنني كنت أشعر أنه لا يمر، وان الزمن توقف تماما، واعلنت عقارب الساعة الاضراب عن الدوران. لم أعد احتمل كل هذه الضغوط، لقد نجحوا في تصدير الكآبة قبل أن اخطو خطوة واحدة من داخل بيتي، فكيف يكون الحال وأنا في حضرتهم، مهزوما مغلوبا على أمري. لم اعد احتمل ولو استمرت الأمور على هذه الوتيرة، لاشك أنني سأصاب بارتفاع في ضغط الدم، أو ربما تصيبني ذبحة صدرية، يجب أن أتخذ قرارا مجنونا حتى انهي تلك العذابات، فرغم أنه لم يحقق معي، ولم يمارس على أي نوع من التعذيب، ولم توجَّه لي كلمة نابية فقد انهارت قواي بهذه الصورة المؤسفة.

لم اتردد واتخذت قرارًا بالعودة مرة أخرى للقاهرة، حتى ينتهي هذا الكابوس الطابق على أنفاسي، وعندما شرعت في التوجه لتلك الفتاة الشريرة التي تقف خلف الحاجز الزجاجي، فوجئت بضابط فلسطيني يعترض طريقي، ويخبرني بأنه لا يمكنني حتى الرجوع إلى القاهرة، ثم اضاف بلهجة فلسطينية «إنت يا زلمة متوصي عليك من وزير خارجية وسفير، ليش انت قلقان» وعندما اخبرته أن الأتوبيس سيقلع دوني، طمأنني بأنني سوف أبرح هذا المكان في دقائق معدودة.

بعد مداولات ومشاورات، سمحوا لي بالعبور بعد عمل تصريح زيارة.. تنفست الصعداء.. وحمدت الله.. وان كنت قبل قليل اتمني العودة حتى ولو مشيا على الاقدام.. تذكرت أمي للمرة العشرين.. وادركت ان دعواتها كانت طوق النجاة.. صعدت الأتوبيس المتجه إلى القدس بعد انهاء اجراءات الدخول وتشديد التعليمات بألا اذهب إلى الضفة الغربية أو القدس وسيكون محل اقامتي في بيت لحم والبيرة ورام الله فقط، صعدت إلى الأتوبيس والغريب أنني وجدت احتفاء ومواساة من كل الركاب، جعلت بعض النساء الطاعنات في السن تبادر بتقديمي سندوتش لي وزجاجة عصير وكأنها تعتذر عما لحق بي، وعندما شكرتها نهرتني بلهجة حانية قائلة: أنا عربية زيك، يهودية بس عربية، متخفش مني!!

في لحظة عبقرية غير اعتيادية تختفي النعرات الكاذبة، ويكشف الإنسان عن إنسانيته، تسمرت في مكاني محاولا فهم ما جري، إنها الحياة بكل ما فيها من قبح وجمال، خير وشر، قسوة وحنان، في الدنيا مترادفات ومتناقضات تكمل بعضها البعض لتنقش في النهاية جدارية مليئة بالتفاصيل والتعقيدات التي نعجز عن فهمها.

اتخذت مكاني بجوار الإندونيسي الذي راح يهون عليَّ الأمر، فشكرت له إنسانيته، ثم فوجئت بعد دقائق قليلة وبعد أن قطع الأتوبيس عدة أميال بسيجال وقد انهت مكالمة عبر التليفون، تقترب مني وتطلب مني النزول من السيارة للفحص.

فقلت لها : فحص إيه؟

أجابت: ستأتي سيارة الآن بها ضابط بالموساد (لهتيل ما بط) قالتها بالعبرية ومعناها «سيلقي نظرة»، ثم أضافت حاول أن تكون هادئًا، حتى لا يرتاب فيك.

فقلت : يشك فيا ليه أنا معملتش حاجة.

ثم أشارت للسائق بالوقوف، ارتكنت السيارة على الطريق الذي كانت تحيطه أشجار الزيتون من كل جانب، ونزلت من السيارة ولا أعرف كيف حملتني قدماي اللتان كانتا تصطدمان بالمقاعد محدثتين صوتا أثار ضحك بعض الركاب وسخريتهم، ورغم أن المسافة من مقعدي حتى باب السيارة لا تتجاوز أربع خطوات، لكنها حملت كل مشاق الدنيا وعذاباتها، وتخيلت بأن الضابط سوف يسحبني من كتفي ليقذف بي في السيارة ويبدأ معي التحقيق والتعذيب والتنكيل، وتمنيت أن تنشق الأرض لتبتلعني، أو يغشى علي، وكان يسيرًا ومريحًا لو كنت تمنيت أن تنشق الأرض وتبلعهم جميعا، وأهرب أنا في المزارع لأنجو من المصير الأسود الذي ينتظرني، وتذكرت أمي ودعاءها، تميمة الحياة «عمرك ما هتنضام يابني، قلبي وربي راضين عنك منين متروح» وفجأة وصلت سيارة زرقاء صغيرة تحمل لوحات معدنية صفراء بأرقام وحروف عبرية يجلس بها رجل يشبه نجوم السينما العالمية يرتدي نظارة سوداء، ظل يتفحصني وهو داخل السيارة، ثم انطلق دون أن ينطق بكلمة واحدة. ابتلعت ريقي ونظرت ناحية الأتوبيس فوجدت الإندونيسي بوجهه البشوش يرسل ضحكة من قلبه، بينما «سيجال» تشير بعصبية أن اصعد بسرعة.

دخول.. خروج.. تأشيرات.. إنجليزي.. عربي.. عبري.. فلسطيني.. مصري.. يهودي.. جواز سفر.. تصريح زيارة.. كلمات.. أنفاس.. دخان.. فنادق.. شوارع.. محاسيم.. جوازات.. عبور.. مرور.. وقوف.. أمن.. سلطة.. هوية.. حنين.. شوق.. رهبة.. فزع.. زياد.. نديم.. جرادات.. شوقي.. إلياس.. ماجد.. أبو علي.. إبتسام.. زكريا.. إبراهيم.. أسامة.. سليم.. بسمة.. ياعيل.. ديفيد.. قبة الصخرة.. القدس.. بيت لحم.. مهد المسيح.. كنيسة القيامة.. يافا.. المنشية.. رام الله.. عمارة البكري.. مراقبة.. مفتول.. مقلوبة.. صموئيل.. ساره.. كريم.. جريتا.. شهيرة.. ساهر..سليمان.

اتجه الأتوبيس على وقع أقدام العسكر نحو حلم العودة المشوه.. وبعد غفلة من الوقت استعدت فيها توازني المفقود وذكريات العمر الطويلة.. وامنيات الاطفال.. واسترجعت الماضي، واطلت عيون الشهداء ووجه أبي رحمه الله رأيته من فوق مئذنة جامع حسن بك محتضنا وصيته بأن نحفظ العهد والهوية مهما حدث.. رأيت روحه معي تأمل في العودة، تنقش على كفي ما تبقي من خريطة دارنا في يافا، واطلت من بين غصون الزيتون ملامح أخي الاكبر سليمان ذلك الذي لم تسعفه الاقدار.. يمضي الأتوبيس اشعر انهما على كتفي جنبًا إلى جنب إلى حضن الوطن.. أحقق أمنية طالما تمنتها عائلتي.. ازدادت حيرتي ..وتراكم حنقي.. وتجرعت يأسي.. واكتملت الدائرة وقفلت حدودها المريرة على نفسي.. ورحت أتأمل القدس وقد اعتجت بالحاخامات والصهاينة وصارت مدينة السلام في لحظة مدينة للاشباح، حذاء العسكر يدق بجوار الحرم الابراهيمي، وعلم إسرائيل يمتد بطول منزل شارون المجاور للمسجد الاقصي والذي يذهب إليه مرة واحدة كل عام ليحتسي فيه فنجانًا من القهوة، ويكون مبررا لوجود عشرات من الجنود لحراسته بغية الاستفزاز، ويمتد طريق الآلام لينتهي في القدس العتيقة ورائحة البخور المقدسية حتى حائط المبكى، اشجار الزيتون في رام الله، وبيارات البرتقال في أريحا، وبشارة العذراء والمهد في بيت لحم، ورحلة المصطفي في الاسراء والمعراج كل ذلك يتوقف أمام فحص الأوراق للعبور إلى زمن السلام المسلوب.

حاولت أن اتماسك، وأن أكون موضوعيًّا حياديًّا، يعلق على الأحداث دون أن يظهر تعاطفًا أو موالاة، ولكني فشلت وتلك هي مشاهداتي:

تستقبلني القدس بامطار غزيرة وثلجية، بالامطار أرحل وبالأمطار اصل لبلد الاجداد والآباء والأبناء والحلم المفقود، على أوتار الجرح نعزف أناشيد الأوطان المنهوبة، كل منا يمسك آلته لتخرج منها الأصوات مبحوحة مذبوحة ومخنوقة، نتخلى عن الرمزية لأن الواقع مليء بالتفاصيل المرعبة التي تفسدها أي محاولة بلاغية، فلا يمكن التستر على أشياء واضحة وضوح الشمس؛ ولأن محاولة التفتيش في الأماكن المحظورة قد يكشف عن الجروح القديمة، وبالتالي إعادة فتح وتعرية ما اتفق على إخفائه، هناك بعض الجروح التي مهما طال بها الزمن تظل مصدرًا للألم وأي محاولة لطمسها تكون مدعاة للسخرية والاستفزاز.. حتى أنها تعيش معنا ولا نستطيع فراقها أو الانفصال عنها مهما حدث، ويكون الاقتراب منها للتذكير ليس أضعف الإيمان، بل منتهي الإيمان، ومنتهي القسوة على النفس.

أخيرا وصلنا القدس، وقد لملم النهار خيوطه، وبدأت بشائر الليل تهل على المكان، حملت حقيبتي، ومتاعب الرحلة، وتوجهت ناحية «سيجال» طالبا العون منها، أريد أن أذهب إلى رام الله، حيث ينتظرني الرفاق الذين سبقوني بالامس، أشارت «سيجال» لسيارة مرسيدس بيضاء اللون كانت تقف على الرصيف المقابل للأتوبيس، فأسرع السائق إلينا، وأخذ مني الحقيبة ووضعها بالسيارة، فقمت بإعطائه ورقة مكتوبًا بها عنوان الفندق الذي يقطن به اعضاء الوفد، فنظر إلى الورقة مليا، وقال بلهجة لا تقبل الفصال أو المساومة: 50 شيكل، وهو ما يوازي 50 جنيها مصريا، فقلت له مستفسرًا: كم تساوي بالدولارات فأجابني بذات اللهجة الصارمة : 25 دولارًا، ويبدو انه فطن إلى جهلي وعدم بمعرفتي بفروق العملة، وتأكد أنني لا احمل معي شيكلات، فوافقت على الفور، رغم أن ال 25 دولارًا يعادلون أكثر من90 شيكل، ركبت وشقت السيارة القدس في طريقها إلى رام الله التي تبعد حوالي 15 كم، حاولت أن أفتح حوارا مع السائق المتجهم الصارم، لاستأنس باللغة العربية التي افتقدتها، والغريب أنني لم أشعر بأي تآلف أو حميمية معه، ويبدو أن مفردات السائقين في كل البلدان العربية لا تتغير حينما يصطادون السذج.

أصل إلى رام الله النابضة المضيئة التي تحمل ملامح المدن العربية، ويقع على أطرافها قري فلسطينية تدور في ساقية الفقر والجهل والمرض وتحمل ذات الملامح التي تحملها كل القرى العربية، أناس بسطاء فقراء لا يملكون قوت يومهم، عانوا ما عانوه تحت وطأة المحتلين الذين أتوا من زرائب الدنيا، ليحتلوا الشمس والقمر والهواء وليطوعوا الريح وفق حاجاتهم دون وجه حق، بينما وقف البعض يشاهد ما يحدث في مشهد لم يتكرر مرة أخرى في التاريخ، وحاول البعض الآخر غسل يديه من تلك المأساة وإبراء ذمته، لكن تلك الدماء التي كانت تتساقط من أياديهم بهتت ادعاءاتهم وفضحت ما كانوا يحاولون إخفاءه..

تتكاثر صور البطولات على الجدران المنهارة المتصدعة وتزدحم بلافتات المرشحين للانتخابات جنبًا إلى جنب مع صور الشهداء والغائبين، معرض كبير للجرافيت يحكي مسيرة شعب، كل شيء مدون على الجدران لم تستخدم فيه الألوان الفاقعة أو الزخارف، وقد روعيت التفاصيل الصغيرة شديدة الوضوح والقسوة، فلم تخف تلك الحشرجات التي أنّت بها الصدور، ووسط هذا الركام الرهيب والدمار، لم يكن مسموحا أن نغض النظر عن كم الصراخات والعويل والنحيب والبكاء الذي تفترش اللوحة وتكوم في الخلفية أسرابًا من الدخان تكاد تخنق الناظر إليها..

تعزف الشوارع الفلسطينية لحنا حزينا قادرًا على دغدغة ما تبقي من عظام، حتى لم يعد في الإمكان احتمال سماعه، لكن في العصور الظالمة، لا مجال للاختيار في حضرة الإكراه والاجبار. يبدأ الشتات الذي لم ينته ليكمل تلك الحكايات التائهة، فتفترق أصابع اليد، وتبدأ محاولة البحث هي الهم الأكبر، وتضيع الأرض ويضيع الحق، تتلقفهم الموانئ الحزينة والمطارات المغلقة. ولم ينجح أحد ممن يتشدقون بالكلمات في استيعاب المبعدين، أو إصلاح التواءات الزمن التي لم تستقم يوما.

كانت هناك خطوط حمراء وحدود سوداء تفصل ما بين الواقع والخيال، الموت والحياة، حاول الفلسطينيون أن يتجاوزوا تلك الحدود بشتي الطرق، لكن محاولات اختراقها كانت تعني في أبسط المعاني فقدان الحياة، فمات من مات وعاش من عاش، وظلت الحكاية القاسية تنتقل من جيل إلى جيل يتجرعون الصبر ويجترون المر في حلوقهم لأيام أشد بؤسا.

طابور طويل من الانتظار لا يتحرك ولا يتقدم خطوة واحدة ، طابور يكتوي فيه الواقفون، وكثيرًا ما كانوا يسقطون رغما عنهم أما بفعل التعب أو القهر أو اليأس، لكن الطوابير مازالت منصوبة حتى يومنا هذا، لأن الحياة ظلت ساكنة، تمضي بتؤدة حتى ظنوا أنها لا تتحرك..

كانت محاولات اكتشاف الأسئلة في أزمنة الإجابات أقصر الطرق للجنون، فآثروا الصبر والنضال، تجرعوا ملح الأرض، وتدثروا بالجليد، لينمو في عيونهم العشب، حاولوا رسم الحشائش البرية على الحياة الناشفة لكن القطيع كان أسرع من اكتمال الحلم.

وسط هذا الكم من الدموع والآلام التي تتناثر وتتقاذف في وجه المعذبين، ظل الأمل الذي يحبو من حين لحين هو ضالتهم المنشودة، ورغم شحاحة ظهوره فإن الحياة كانت تسير حتى لا يتسلل اليأس إليهم، رغم أنه كان يأكل معهم في إناء واحد ويقتسم ما تبقى من مياه..

لقد عاشوا في عصر تحطمت فيه الثوابت، وبات التغيير للأسوأ هو الغلاف الذي يستنشقون منه الهواء.. لم تقف الحياة عند ذلك الحد، بل أتت بكل ما لديها من مصائب وكوارث، وكان استبسالهم ونضالهم هو الرد الواقعي لكل هذا الهوس، ويظل السؤال يتأرجح: إلى متى سوف يستمر الحال؟

وصف المعركة من الميدان يختلف عن وصفها من خلف شاشات التلفاز، فالواقع بكل ما يحمله من غبار ودخان وشظف وقسوة كاشف لأي محاولة تزييف..فهم قادرون على كشف لغز الأرض وطلاسم الكلمات، تنتقل الكاميرا لتقص علينا مشاهد جامدة ناشفة بغير إحساس رغم بشاعتها، لا تغوص في الماضي، ولا تستطيع أن تستدعي رائحة التاريخ لترى الرجال وهم يقولون كلمتهم ويطيرون في الأفق البعيد، من أمن بالثورة وناضل من أجلها، وتجرع كل يوم ويلات الذكري، وعانى الأمرين من النكران والألم الذي خلفته رصاصة العجز، وآخر ظل يراهن على الأسوأ، واكتشف أن النزوح للغربة أمر محتوم عليه، حتى وأن كلفه ذلك الموت في تلك الأرض الشاسعة التي اجتازها للوصول، ثم المتشائم الذي فرضت عليه الظروف القاسية اختياراتها الصعبة، فيضحي بالتعليم وبالحبيبة وبالأهل ويموت غريبًا، في محاولة أخيرة للبحث عن الذات؛ والبعض ظل يرقب الأحداث ويدونها ليكون الشاهد على ما يجري، فرضت ضرورات الحياة قسرا على كل الشخوص أن يمتثلوا لأقدارهم، ولم يكن متاحًا لهم فرصة الاختيار، فكلها طرق قدرية لا تجدي معها محاولات الهروب، إن فلسطين بكائية العرب ونقطة ضعفهم التي يحاولون الهروب منها.

الذهاب إلى أرض الانبياء محاولة جيدة لاستدعاء الماضي الجميل حتى وإن قطعت سبله وتشوهت ملامحه التي ستظل تداعب الشجن الساكن في صدور المشتتين والمبعدين والمهجرين.. وتذكرهم بأيامهم التي لم تنس.. يحكى أن سيدة جاوزت الثمانين من عمرها انتفضت حينما كانت تشاهد فيلمًا وثائقيًّا عن أحد المخيمات، وقالت لولدها الذي جاوز الستين: انظر جيدًا لربما تري أخاك في هذا المخيم انه يرتدي بنطالًا قصيرًا وقميص أخضر ويمسك بيديه كرة صغيرة، إننا شعب الجبارين.

راح زملائي اعضاء وفد مراقبة الانتخابات يرصدون ما يجري فيها، بينما أنا سافرت بعيدا في الشوارع والازقة والحوانيت، ارتشف من الوجوه ملامح وطني المفقود وتفاصيل حياته اليومية اراقب انفاسهم، طريقة بيعهم وشرائهم، اتناول خبزهم، واشرب ماءهم، وارتدي ملابسهم، واتكلم لغتهم.أنها عودة الروح واكتمال الحلم في عيون الغادين والراحين، أن رحلتي إلى فلسطين كانت سباحة داخل نفسي لاكتشف ملامح جديدة، تفاصيل كثيرة لم تكتب على أمل أن يمهلني العمر كي أروي القصة الكاملة، والغريب أنني في كل خطوة اخطوها وكل نفس أتنفسه وكل لفتة أو إشارة تصدر مني كنت أعي بيقين ثابت أن دعوات أمي المسكينة تصاحبني وتدفع عني الضرر، ومن أمي المسكينة إلى أمي المحتلة تتحدد ملامح وطني على خريطة أيامي..

فإلى كل من تألموا وتوجعوا.. ولم يسمعهم أحد.. إلى كل الشهداء المنسيين، الذين لم تذكرهم كتب التاريخ، ولم تنكرهم الأرض الطيبة التي خضبت دماؤهم أرجاءها.. إلى كل الغائبين والمبعدين.. إلى كل الأمهات اللائي احتضن في لياليهن الطويلة الذكريات المريرة.. إلى كل الصبايا اللائي انتظرن الحبيب ولم يأت! إلى الأطفال اليتامى وما أكثرهم في وطني.. إلى كل المعتقلات والمعتقلين الحالمين خلف الأسوار بيوم يستنشقون فيه نسمات الحرية، إلى شعوب الوطن العربي في بقاع الدنيا أهدي لهم هذا الكتاب.