السلام عليكم أيها الأخوة المواطنون
إليكم البيان قبل الأخير
أغارت طائرات العدو في ساعة متأخرة من ليلة سوداء على أهداف استراتيجية ومدن وقرى ونجوع وشوارع وحارات وأزقة ودكاكين ومساجد وكنائس ومعابد ومدارس وحضانات وجامعات وكتاتيب، ومبنى للدروس الخصوصية، كما أطلقت مدافعها الصاروخية المحرمة عربيا على المصانع والمزارع والملاهي والكباري والجسور والقصور، وأيضا على مبان حكومية وأخري أهلية.. واستهدف القصف الوحشي والهمجي كل ساكن ومتحرك من بشر وشجر وجماد وحيوان، ولم تستثن أحدا، فقوات الاحتلال أصابها الصرع الهيستيري وتعتقد بأن قوات حزب الله موجودة داخل كل مواطن لبناني، لذلك فهي ترى أن القضاء على هؤلاء الأبرياء إنما هو في حقيقة الأمر مقصود به مقاومة حزب الله.
ونظرا لتأخر المساعدات والمعونات التي كان من المفترض أن تصل في وقت لاحق، صرح بعض المسئولين بأن البلاد لم تعد في حاجة إليها، وخصوصا ألبان الأطفال نظرا لأنهم يرقدون الآن في سلام تحت الأنقاض، ولا حاجة لنا بها. وإنما يأملون من هذه الدول الصديقة أن تقدم لهم عونا آخر متمثلا في «شوية» أوبريتات على «حبة» أغاني وطنية لزوم هذه المناسبة السوداء.
ونتيجة لارتفاع أعداد الموتى من أطفال ونساء وشيوخ ورجال تم تقديم طلب عبر شاشات المحطات الفضائية من الدول الصديقة بإرسال نعوش وأكفان وشواهد قبور، حيث ثبت بعد تشكيل لجنة لإجراء جرد على المخازن بأن هناك نقصا شديدا، وأن المتوافر لا يستوعب الطلبات المقدمة. وهم يقدمون بالغ أسفهم لأنهم لهذا التقصير الشديد، لعدم قيامهم بتخزين ما يلزم.
وننتهز الفرصة لنزف بشرى لجميع دول العالم بأن رعاياهم قد غادروا أرض الوطن في سلام تاركين أبناء البلد يلاقون مصيرهم المحتوم، حيث أسرعت دولهم بإرسال طائرات وبوارج بحرية وأتوبيسات مكيفة لنقل رعاياهم مع توفير وجبات ساخنة وزجاجات باردة من المياه المعدنية والغازية، استحال توفيرها للمنكوبين، ولم يفت هؤلاء المغادرون من التلويح بأيديهم (باي باي) لحظة انطلاق مركباتهم، أخذين على أنفسهم وعدا بالرجوع مرة أخرى حال إيقاف القصف وإعمار البلاد مرة أخرى بالشكل الذي يليق بإقامة سياحية ممتعة.
كما لا يفوتنا في هذا الصدد أن نرسل لكل القوى الإمبريالية المستنيرة الشكر لما قدموه من دعم تمثل في توسلات للعدو بضبط نفسه لأقصى حد ممكن، ورغم أن علمنا بأن العدو لم يستطع تنفيذ هذا الطلب نتيجة خلل ميكانيكي نلتمس للجميع العذر؛ وننتظر الفرج من ربنا!
ورغم كل ما يحدث من دمار وخراب وقتل وتشريد وغطرسة وبلطجة وعنجهية وصعلكة وتسكح وتخلف وجنون وهمجية وبربرية وتتارية ونازية نأسف أسفًا شديدًا، فقد أخطأت إحدى الصواريخ أهدافها فأصابت - دون قصد ورغم الاحتياطات الكبيرة التي اتخذت - مجمع اللغة العربية، وبعد استدعاء قوات الدفاع المدني والمطافئ وهيئات النظافة المحلية والإقليمية والعالمية الموجودة بالقرب من الانفجار تم استخراج الضحايا من جرحي وقتلي من تحت الركام، إلا أننا نأسف ونرجو المعذرة في المصاب الأليم الذي أصاب حروف اللغة العربية، فبعد البحث والتنقيب والتحليل والتأكيد والتفعيل تم السيطرة على الموقف، وأثناء جرد حروف اللغة العربية تبين اختفاء ثلاثة أحرف، وبعد تشكيل لجنة من منظمات محو الأمية العالمية التابعة لمنظمة التعليم كالماء والهواء ومنظمة الحرية مكفولة للجميع إلا العرب، تبين أن الحروف المختفية هي حروف: ع ر ب، ورغم المحاولات المضنية التي بذلت من أجل إيجاد هذه الحروف، إلا الأمر خرج من أيدي الجميع، وباءت كل المحاولات بالفشل الذريع.. لذلك نقدم خالص تعازينا وأسفنا وألمنا لما حدث لحروف اللغة، مؤكدين أن اللغة العربية ستضطر في المرحلة المقبلة من الاستغناء عن خدمات هذه الحروف، وحتى لا يختلط الأمر، سنوضح في المثال التالي ما صارت إليه اللغة، فكلمة شجاعة ستصبح شجاه، وكلمة كرامة ستصير كامة.. وكلمة بسالة ستغدو للأسف سالة، بينما ستبقي كلمات خوف، جبن، ندالة، كما هي لم يعتريها أي تغيير أو تبديل، وستظل محتفظة بتوهجهها وديمومتها في قاموسنا الساطع، وعلى المتضررين الاستعانة بحروف أخرى تقضي الغرض، فمازال لدينا والحمد لله حروف كثيرة.
كما نود إعلام الجميع بأن ما يحدث داخل أراضينا فاق حدود الكارثة، لأن الواقع الذي نعيشه صار أقرب للجنون بعد أن فتح العدو الغاشم سلخاناته ومجازره البشرية بغطاء أممي قبيح ذات رائحة عفنة، وننوه في هذا الصدد أن القصف لم ينل سوى المدنيين ومبانيهم وممتلكاتهم، أما المقاومون فهم يدفنونهم أحياء كما حدث في67.
ونؤكد بأن سعي بعض الوفود الأجنبية التي حضرت إلى المنطقة بغرض الفرجة والفسحة لإيجاد حل لهذه الهيستريا، أنهم بذلوا مجهودات مضنية واستخدموا عبارات لطيفة تنم عن أدب جم وأخلاق عالية لم تفلح في وقف ما يحدث. فلهم كل الشكر وكل العرفان بالجميل، ونأسف لعدم قيامنا بواجبات الضيافة بما يتناسب مع مقامهم الرفيع.
وننوه في هذا البيان بأن ماما «رايس» التي ترسل هداياها العنقودية والفوسفورية كل صباح لأطفال لبنان وفلسطين تعدهم بأنها لن تبخل عليهم بأي شيء، وأنها تري أن إطالة أمد الحرب، لا يعني القضاء على البقية المتبقية منهم، ولكن لحرصها الشديد أن يلحق الأطفال بذويهم حتى لا يشعرون بالوحدة في هذه الدنيا الوحشة، مضيفة بأنها ستسعي جاهدة أن يكون لأطفال الوطن العربي نصيب من هذه الهدايا الشيطانية.
كما صرحت بعض وسائل الإعلام بأن شوارع لبنان وفلسطين لا تخلو من دمار وخراب، وأن الأمم المتحدة - كتر خيرها- مهتمة بالموضوع وتواصل ضغطها المرن على قوات العدو لتخفف من ضرباتها، بينما صرحت مصادر إعلامية أخرى مغرضة بأن اهتمام الأمم المتحدة بقذف مقرها في لبنان فاق اهتمامها بالعدوان الإسرائيلي، وأن هذا القذف الذي راح ضحيته أربعة أفراد جعلها مثار سخرية وتهكم من شعوب العالم، على اعتبار أن المواطن الغربي يساوي مائة ألف مواطن عربي. فتعالوا نردد معا كلمات محمود درويش:
«كم كنت وحدك يا ابن أمي
يا ابن أكثر من أبي
كم كنت وحدك
القمح مر في حقول الآخرين
والماء مالح
والغيم فولاذ
وهذا النجم جارح
وعليك أن تحيا
وأن تعطي مقابل حبة الزيتونة جلدك»
أيها الأخوة المواطنون في كل أرجاء الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج وبالعكس إليكم بياننا قبل الأخير.