قومسيونجي وطنية

اختار «مرسي» لنفسه وظيفة ارتضاها، رغم أنها تبدو للوهلة الأولى أنها غير محترمة، أما عن «مرسي» فهو الشخصية التي لعبها عزت العلايلي في فيلم «إسكندرية ليه» أما عن وظيفته فهي «قومسيونجي وطنية» حيث كان يقوم بقتل العساكر الإنجليز لحساب بعض الوطنيين، وأحيانًا كان يقوم باختطاف بعض هؤلاء الجنود لمدعي الوطنية، حتى يسجلوا في تاريخهم أنهم كافحوا وناضلوا، يعني وطنية بالفلوس ومن منازلهم، دون تحمل مشقة السير في المظاهرات، أو الهجوم على بعض المعسكرات، ولأن هذه الوظيفة كانت تتطلب مواصفات خاصة من لبط وأونطة واللعب بعشر ورقات، فقد كان «مرسي» يجيدها على أكمل وجه، ولا يتنازل عن قرش واحد من عمولته، فقد كان يعرف خطورة المهام المكلف بها، وكانت لديها تسعيرة معروفة لا يقبل فيها أي مماطلة أو فصال..

ولأن «مرسي» كان يعلم جيدًا حدود الدور الذي يلعبه، ومدى أهميته للآخرين، فقد كان يجاهر به ولا يخشي لومة لائم.. معتزًّا بنفسه لأقصى درجة، فخورًا بدوره الكبير في طرد المحتل من البلاد، حتى وإن كان ذلك نظير أجر. وظل «مرسي» يورد محتلين للوطنيين طوال الوقت دون ملل أو كلل، وعندما تستدعي الأمور أن يورد بعض الساقطات، فقد كان الرجل يقوم بذلك بتفان كبير وبإخلاص منقطع النظير للمهنة التي يقتات منها.

وكان يردد دائما أنه يعرف مساحة «البطحة» الموجودة على رأسه، كما أنه كان يعرف بطحات الآخرين ومدى اتساعها وعمقها، لذا كان يخشاه الجميع ويتحاشون الصدام معه لأنه يحتفظ بأسرار كثيرة تمكنه من التشهير والتجريس لأي شخص يحاول التصدي له.

ولأن الدنيا زمان كانت رايقة وفاضية، كان هناك تصنيف دقيق للبشر معتمد ومعترفًا به شعبيًّا، فهذا وطني وذاك قومسيونجي، الأمور واضحة وضوح الشمس، أما الآن فالوضع تغير وأصبح «سداح مداح»، ودخلت عيشة على أم الخير، واختلط الحابل بالنابل والداني بالقاصي، وأصبحنا في أمس الحاجة لمليون «مرسي» ، لا يخجل مما يفعله أو يدعي ما ليس فيه، فرغم فداحة ما كان يفعله «مرسي» فلم يسجل التاريخ عليه يوما أنه كان يورد وطنيين للمحتلين، أو يأكل أموال اليتامى، أو يلحق الضرر بذويه، أو يظهر على المحطات الفضائية في عرض مستمر يكرر كلماته الباهتة، أو يتاجر في السولار والخبز والصحة والأمن والتعليم وأمان البائسين المهمشين، أو يختلس أو .. أو .. أو ..