كان يتكلّم، يزبد ويرغي، وأنا لا أصغي. عيناي مسمّرتان على شجرة الحَوْرِ أمامي. لطّفَ حفيف أوراقها غوغاء صوته. ضيّق حضوره خناقي ووسع المكان. لـم أرَ من داعٍ إلى المكوث أطول. نهضتُ. لوّحتُ له بالوداع وأنا أغادر بصمتٍ وسلامٍ لـم أدرِ أنـّى نزلا بي.

استوقفني ممسكًا بذراعي. لم أستدر. قال:

– لـمَ كلّ هذا التهوّر؟ كفّي عن هذا الهذيان!

– لن أكفّ! سأعرّي كلّ شيءٍ مثل ريحٍ خريفيّة!

– من تخالين نفسكِ؟!

– أنا وجعٌ دفين... حرّيةٌ مكبّلة... موسيقا خرساء... فكرٌ سجين...

– فلتبقي كذلك! شأنكِ شأن الجميع!

– أنت خائف، خائف جدًّا لئن تجرفك الحقيقة...

– دعكِ من هذا الجنون!

– وهل للحياة قيمة بلا جنون؟ سأرويهم... لعلّهم، مثلي، إلى النور يخرجون.